أردني - ودّعت الأرجنتين الحزينة، فتاها الذهبي دييغو مارادونا ودفنته الخميس، في ضواحي العاصمة بوينوس أيريس، بعد رحيل أسطورة كرة القدم في نهاية الثمانينيات عن 60 عاما الأربعاء، إثر انتكاسة صحية.
مع حلول الظلام أقيمت مراسم الدفن بحضور عائلة بطل العالم 1986 وأصدقائه المقربين، في مقبرة بيلا فيستا المحاطة بالأشجار خارج العاصمة بوينوس أيرس.
قال أنتونيو افيلا، سائق حافلة يبلغ الـ63 خارج المقبرة "اعتقدت أن دييغو خالد ولا يموت في زمننا. أشعر بحزن شديد على رجل أسعدنا كثيرا".
وتناقض الوداع الهادئ في المقبرة مع المشاهد الصاخبة لنقله من بوينوس أيرس، والتي عكست إلى حد ما حياته المليئة بالأحداث المثيرة للجدل.
وأطلقت الشرطة الغازات المسيلة للدموع وبعض الرصاص المطاطي في اشتباكات مع جماهير رشقتها بالحجارة، هددت لفترة وجيزة يوم الحداد على لاعب منح البهجة لمئات الملايين من الناس في كافة أصقاع العالم.
وداع الآلاف
اصطف عشرات الآلاف من الصباح الباكر للمرور بجانب نعش دييغو، الذي التف عليه علم الأرجنتين وقميصه الشهيرة الرقم 10 في القصر الرئاسي.
لكن مع مرور الوقت، نفذ صبر المصطفين خارج "كاسا روسادا"، وسيطر البعض على فناء في الداخل ما أجبر المنظمين على نقل نعش مارادونا إلى غرفة أخرى كإجراء احترازي.
وكانت زوجته السابقة كلاوديا فيافانيي وابنتاهما دالما وجانينيا، وصلتا إلى القصر الرئاسي قبل منتصف ليل الأربعاء-الخميس، إضافة إلى العديد من اللاعبين الحاليين والسابقين لاسيما زملاؤه الذين رفعوا معه كأس العالم في المكسيك.
وبرغم تمديد موقع إلقاء التحية الأخيرة 3 ساعات، أغلق المسؤولون الأبواب واشتبكت الشرطة مع الجماهير في الطرق المجاورة قبل أن تعمد إلى توقيف بعض الأشخاص.
خرج بعدها نعش مارادونا عبر بوابات المبنى الرئاسي مخترقا شوارع العاصمة.
وتكدّس الناس على جوانب الطرق وعلى الجسور مع اقتراب موكب الجنازة من الضواحي الغربية للعاصمة، محاطا بالشرطة مع دوي صفارات الإنذار.
وتبع الموكب عشرات من المصورين على متن دراجات نارية.
موهبة خارقة
صحيح أن مارادونا عانى مشكلات صحية متنوعة في العقدين الأخيرين، إلا أن رحيله شكل صدمة نظرًا للموهبة الخارقة التي تمتع بها في الملاعب مع منتخب بلاده أو نادي نابولي الإيطالي الجنوبي، الذي انتشله ليضعه بين نخبة أندية الشمال الغنية على غرار يوفنتوس وميلان.
فارق ملهم الملايين الحياة الأربعاء، بسبب مضاعفات في الرئتين والقلب، عندما كان يتعافي من جراحة في دماغه في منزله.
قال دييغو أرماندو كابرال (29 عاما) عامل البناء الذي سُمّي تيمنا بصاحب القدم اليسرى الرهيبة "كان الأفضل في العالم، سنفتقده ووفاته حطمت أرواحنا".
وانهالت رسائل التعزية والتكريم من جميع أنحاء العالم، إذ مارس مارادونا الكرة في أميركا الجنوبية، أوروبا وآسيا كمدرب في الإمارات.
لم يكن لاعبا عاديا، فكانت له آراء "يسارية" نارية على الصعيد السياسي-الاجتماعي، وطغت على مسيرته تصرفات ندّد بها كثيرون على غرار تعاطيه المخدرات والكوكايين.
صحيحٌ أن موهبة مارادونا يصعب إيجاد مثيل لها في تاريخ الرياضة، على غرار هدفه الأفعواني في مرمى إنجلترا في ربع نهائي مونديال 1986، إلا أن تلك المباراة شهدت لقطة ثانية سبقتها بدقائق قليلة عندما سجل هدفًا "تاريخيًا" بيده.
لم يضبط الحكم التونسي علي بن ناصر أو مساعده، الأرجنتيني القصير القامة يرتقي بموازاة الحارس الإنجليزي، بيتر شيلتون، ويسجل هدفًا على طريقة الكرة الطائرة، بمساعدة من "يد الله" كما وصفها. لم يعتذر عنها للإنجليز حتى رحيله، ما أثار سخط المزيد منهم.
وبموازاة مراسم وداعه في بوينوس أيرس، خيّم الحزن على مدينة نابولي التي جاء إليها بعد رحلة قصيرة وجدلية مع برشلونة الإسباني فوضع فريقها على قمة الدوري الإيطالي.
حصد لقبين في الدوري، الوحيدان في تاريخ "بارتينوبي" حتى الساعة، ولقبًا في كأس الاتحاد الأوروبي (يوروبا ليغ حاليًا)، لكن هناك أيضا ارتبط بالمافيا الإيطالية ما عكّر مشواره الجدلي.
قال فرناندو كافور (46 عاما) "كان محاربنا يوم الأحد. لم يلعب مارادونا بقدميه بل برأسه. لا أحد يسجل الأهداف مثل مارادونا".
وصلت مسيرته إلى نهاية "منطقية" في 1991 بعد اختبار إيجابي جديد للمنشطات. وبعد اعتزاله في 1997، كانت مسيرته التدريبية مناقضة تماما لمشواره كلاعب، فلم يكن من فئة النجوم الحاصدين للألقاب على مقاعد البدلاء.
حتى على الصعيد العائلي، عاش حياة صاخبة. تزوّج صديقته لفترة طويلة كلاوديا فيافانيي عام 1984 وانجب منها ابنتيه دالما وجانينا، لكنهما تطلقا في 2004 في ظل مغامراته العاطفية التي نجم عنها ولادة ابنه دييغو جونيور في نابولي عام 1986 والذي اعترف بأبوته في 2004.